fbpx

ما الفرق بين العالم المستنير والمتطرف في نظرتهم للعلم ؟!

Ar

ما الفرق بين العالم المستنير والمتطرف في نظرتهم للعلم ؟!

إن العالم المستنير يرى العلم وسيلة لحفظ الدين ونشره، والدين عندنا نحن المسلمين علمٌ، إذ هو في أصله عبارة عن مجموعة من العلوم لها قواعد وتعريف ومبادئ وموضوعات تبحث فيها، فلا يحق لأي أحد أن يتكلم فيه بغير دراسة وتخصص، وأما التدين فهو إقامة المسلم لشعائر هذا الدين وعباداته، وكيفية هذا تتضح في تعامل علماء المسلمين مع المسائل الشرعية وعلى سبيل المثال: نظر المسلمون إلى الجهاد على أنه وسيلة للهداية، وفرض كفاية لا يكون إلا بإذن الحاكم، ويأتي بعد البحث والمناقشة والعرض، لكنا ابتلينا في زماننا بمن افتقدوا العلم واستهانوا به ، فجعلوا فروض الكفايات فروض عين، فأصبح الجهاد عندهم مقصودا لذاته، ونظروا إلى العلم على أنه مجرد أوراق وأقلام يعيش عليها العلماء، فلا تنفع الدين مثل الحركة بالدين والقتال، فأدخلوا في الدين فكرة الحركية المأخوذة من الماركسية، وقاتلوا حتى تكون لهم السلطة ولو على حساب الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
وإذا نظرنا مثلا في تفسير آية قرآنية واحدة، وقارنا بين كلام علماء المسلمين فيها وبين كلام المستغلين للدين للتمكن من السلطة؛ لوجدنا فارقاً مهولاً، كما بين المشرق والمغرب!
وفي هذا مثال: قال الله تعالى : {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً، فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ، لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}
قال فيها سيد قطب: “إن الحركة هي قوام هذا الدين، ومن ثم لا يفقهه إلا الذين يتحركون به، والتجارب تجزم بأن الذين لا يُدمَجون في الحركة بهذا الدين لا يفقهونه مهما تفرغوا لدراسته في الكتب دراسة باردة، وأن اللمحات الكاشفة في هذا الدين إنما تتجلى للمتحركين به حركة جهادية لتقريره في حياة الناس، ولا تتجلى للمستغرقين في الكتب العاكفين على الأوراق”
فهذا الكلام ينتمي إليه الفكر المتطرف في زماننا الآن، كأمثال القاعدة وداعش وغيرهم لتبرير سفك الدماء!
وعلى الجانب الآخر نجد العالم القاضي أبو السعود الحنفي، الذي عكف على الأوراق والعلم حتى صار شيخ الإسلام لثلاثين سنة (30) في الخلافة العثمانية ، وهو مفتي السلطان العثماني صاحب الفتوحات سليمان القانوني، عايش أجواء السياسية والسلطة والحكم عن قرب، وصاحب الكتب البديعة ومنها تفسيره الذي اشتهر وقُبل في كل بلاد المسلمين ومدارسها؛ يقول في تفسير تلك الآية الكريمة: “حتى لا ينقطع الفقهُ الذي هو الجهادُ الأكبرُ؛ لأن الجدالَ بالحجة هو الأصلُ والمقصودُ من البعثة”. فها هو من جمع بين السلطة والعلم، يرى أن الجهاد وسيلة من وسائل الهداية يأتي بعد المناقشة والعرض، لكون الجدال بالحجة هو الأصل.
وسبقه إلى ذلك الإمام الزمخشري في “الكشاف” معلقاً بقوله: ” لعلهم يحذرون” : …….، فأمروا أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة إلى الجهاد ويبقى أعقابهم يتفقهون، حتى لا ينقطعوا عن التفقه الذي هو الجهاد الأكبر، لأنّ الجدال بالحجّة أعظم أثراً من الجلاد بالسيف).
ولم يذهب أحدٌ من أئمة المسلمين لما ذهب إليه سيد قطب في تفسيره لتلك الآية الكريمة، مما يدل على أن هناك فارقاً بين من عايش الأوراق واهتم بالعلم والحكمة، فتكونت لديه الملكة العلمية الصحيحة في خدمة مقاصد الشرع الشريف والتي منها حفظ النفس والدين، وبين من استغل الدين لخدمة هوى نفسه وتبرير ميلها لشهوات الدنيا !
تحميل